كان تَذكُّر تلك القصَّة بالنسبة إلى جَدَّتي كمعايشة أحد الكوابيس مجدَّداً. كانت تعرف مدى وَهْن الخيط الفاصل بين حياة كريمة وجحيم من المعاناة والعار. عندما كنتُ طفلة، لم تتحدَّث لي عن ذلك مطلقاً، بل كانت تفعل كلَّ ما في وسعها لتحافظ على جهلي التَّامِّ بكلِّ ما يخصُّ الجنس، بما في ذلك مخاطره.لكنها بدأت مبكِّراً للغاية في وَضْع الإبرة والخيط في يدي، وقُصَاصَات صغيرة من النسيج المتبقِّي من عملها. وكمعلِّمة ماهرة، كانت تقدِّم لي ذلك كلعبة. كنتُ أمتلك دُمية قديمة من عجينة الورق محطَّمة تماماً، ورثتُها من إحدى بنات عمومتي المتوفِّيات، والتي أهدتْها لها منذُ أعوام طَوَالَ ربَّة المنزل الصغيرة التي كانت والدتها تعمل لديها لنصف دوام. كنتُ أحبُّها كثيراً، ويؤلمني أن أراها عارية هكذا، وكلُّ نَدَبَاتِها ظاهرة للعيان (كانت جَدَّتي قد خَلَعَتْ عنها ثيابها ليلاً، وأخفتْها). كنتُ نافدة الصبر على التَّعلُّم وخِيَاطَة قميص واحد لها على الأقلِّ، ومنديل، ثمَّ مُلَاءَة، وبعد ذلك مِئْزَر، أمَّا الهدف الأسمى، فكان بالتأكيد ثوباً أنيقاً ذا طَيَّات وحافَّة مؤطَّرة بالدانتيل. لم يكن الأمر سهلاً.
في النهاية، كانت جَدَّتي هي مَنْ أتمَّت العمل، لكنَّني كنتُ قد تعلَّمتُ كيف أصنع حوافَّاً ممتازة، بغُرَز صغيرة للغاية، متساوية فيما بينها، دون أن أثقب أصابعي أو أُلوِّث قماش الباتيستا الأبيض والخفيف، الذي تصنع منه جَدَّتي قمصان المواليد الجدد أو المناديل، بالدماء. وفي عُمُر السابعة، صارت خِيَاطَة الحوافِّ واجبي اليومي. كنتُ سعيدة وأنا أسمعها تقول لي: “أنتِ خير مساعد لي”. في الواقع، كان عدد القِطَع التي تستطيع جَدَّتي إنهاءها في أسبوع يزيد من شهر لآخر، وكذلك يزيد الربح، ولو بدرجة طفيفة.
حلم ماكينة الخياطة
$16.00
Only 1 left in stock
book-author | |
---|---|
Publisher | |
country of origin | |
format | |
ISBN | |
Language | Arabic |
Publication Date | 2023 |
Customer Reviews
There are no reviews yet.
Be the first to review “حلم ماكينة الخياطة”